يشكّل ترميم موقع القصر الصغير الأثري خطوة مهمة في مسار حماية التراث المغربي، خاصة وأن هذا الموقع التاريخي يُعدّ من أبرز المعالم الأثرية بحوض البحر الأبيض المتوسط. وبعد سنوات من الإهمال النسبي، أعادت وزارة الشباب والثقافة والتواصل الحياة إلى هذه المعلمة الفريدة، من خلال مشروع ترميم شامل أشرفت عليه الفرق التقنية لمديرية التراث الثقافي.
ترميم موقع القصر الصغير الأثري: جهود ممتدة عبر السنوات
أشغال ترميم 2024: استعادة البنيات المرينية والبرتغالية
شهدت سنة 2024 بداية مرحلة جديدة من العناية بالموقع، حيث ركزت الفرق التقنية على ترميم المعالم الأثرية المرتبطة بالفترتين المرينية والبرتغالية. وشملت العملية مجموعة من البنايات الدفاعية، إضافة إلى السور المحيط بالمدينة الإسلامية القديمة. هذا العمل الدقيق ساهم في حفظ الهوية المعمارية للموقع وتمكين الباحثين والزوار من فهم أكبر لمكانته التاريخية.
أشغال 2025: إعادة تأهيل منزل الموحدين
واصلت الوزارة عملها خلال سنة 2025، حيث تم ترميم منزل الموحدين وتأهيله ليكون شاهداً حياً على الحقبة الموحدية. ويعتبر هذا المبنى من أهم العناصر الأثرية التي تعكس العمارة الإسلامية في الفترة الوسيطة، مما يمنح الموقع قيمة بحثية وسياحية مضافة.
القصر الصغير: تاريخ يختزل العصور القديمة والوسطى
موقع استراتيجي لعبور نحو الأندلس
شكل موقع القصر الصغير بوابة طبيعية نحو الأندلس، وهو ما جعل منه نقطة عسكرية وتجارية بارزة عبر التاريخ. وقد شهد تحولات كبرى، أبرزها الغزو البرتغالي سنة 1452 واستقرارهم به إلى حدود 1550، مما ترك آثاراً معمارية مميزة مثل القلعة والتحصينات الدفاعية.
بنية تاريخية غنية ومركبة
يتضمن الموقع معالم تاريخية متنوّعة، أبرزها:
-
السور الدائري للمدينة الإسلامية
-
الحمام المريني
-
التحصينات البرتغالية (القلعة والكوراسا)
-
البنيات السكنية الموحدية والمرينية
هذه الشواهد المعمارية تبرز ثراء الموروث الحضاري المغربي في العصور الوسطى.
التحديات التي تواجه موقع القصر الصغير
صعوبة الولوج تحدّ من الإقبال السياحي
رغم القيمة التاريخية الكبيرة للموقع، إلا أنه يعاني من ضعف الإقبال بسبب صعوبة الولوج إليه عبر وسائل النقل. ويُقدّر عدد الزوار السنوي بنحو 2000 زائر فقط، وهو رقم متواضع مقارنة بقيمة ومكانة الموقع.
ضرورة تعزيز البنية التحتية السياحية
يشدد الخبراء على ضرورة توفير مسارات طرقية مناسبة، وإحداث مراكز استقبال ومرافقة سياحية، مما يمكن أن يحول الموقع إلى وجهة تاريخية بارزة على المستوى الوطني والدولي.
جهود وزارة الثقافة للحفاظ على التراث الوطني
أكد عبد اللطيف البودجاي، محافظ الموقع الأثري، أن عملية الترميم تأتي في إطار استراتيجية وطنية تهدف إلى حماية المواقع التاريخية وتثمينها. وأضاف أن القصر الصغير يعتبر من أهم المواقع الأثرية بالمغرب، وينتمي إلى فترة العصور الوسطى، ويقع بجهة طنجة تطوان الحسيمة، وهي منطقة تزخر بعشرات المواقع المماثلة التي تحتاج إلى استثمار مؤسساتي مستدام.
القصر الصغير: إرث حضاري يستعيد هويته
بين الماضي العريق والمستقبل الواعد
يمثل هذا المشروع خطوة نوعية في تثمين التراث، وإعادة تقديمه للأجيال الحالية والمقبلة باعتباره مرجعاً حضارياً وتاريخياً. ومع اكتمال مشاريع الترميم، بات الموقع مستعداً لاستقبال الباحثين والزوار، واستعادة دوره كنافذة على تاريخ المغرب المتوسطي.
يُظهر ترميم موقع القصر الصغير الأثري الحرص الكبير الذي توليه الدولة لحماية التراث الوطني، وجعله رافعة للتنمية الثقافية والسياحية. ومع اكتمال مراحل الترميم، تجدد الأمل في تحويل هذا الموقع إلى مركز إشعاع ثقافي، ومختبر مفتوح للبحث التاريخي.
