شهد مؤتمر المناخ والتخلص من الوقود الأحفوري في البرازيل مفاوضات صعبة بين قرابة 200 دولة، انتهت باتفاق يضمّ إشارة "ضمنية" فقط إلى خفض الاعتماد على النفط والغاز والفحم، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا حول مدى فعاليته وقدرته على دفع العالم نحو مستقبل منخفض الكربون.

ورغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الاتحاد الأوروبي لإدراج خريطة طريق واضحة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، خرجت الصيغة النهائية بأقل مما كان يتمنى المفاوضون الأوروبيون، لكنها بقيت خطوة يُنظر إليها على أنها “في الاتجاه الصحيح”.

خلفية الاتفاق: أسبوعان من المفاوضات الشاقة في بيليم

الأجواء المشحونة داخل المؤتمر

أقيم المؤتمر في مدينة بيليم البرازيلية بمنطقة الأمازون، حيث استمرت النقاشات ليلًا ونهارًا للوصول إلى صيغة توافقية.
وعلى مدار أسبوعين، شهدت القاعات أحداثًا مفاجئة، مثل احتجاجات السكان الأصليين وحريق داخلي أدى لإخلاء مساحات واسعة، ما جعل المفاوضات أكثر تعقيدًا.

الضغوط الأوروبية وخيبة الأمل

كان الاتحاد الأوروبي الطرف الأكثر إصرارًا على إدراج نص واضح يدعو إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، لم ينعكس هذا الضغط في النص النهائي، ما جعل الموقف الأوروبي يبدو "معزولًا" وفق مسؤول أوروبي تحدّث لوكالة فرانس برس.

نقاط الاتفاق الرئيسية

1. إشارة ضمنية إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

النص النهائي يتحدث عن تسريع الإجراءات المناخية "طواعية"، ويستند إلى توافق مؤتمر الأطراف كوب28 في دبي، الذي دعا سنة 2023 إلى التخلي عن الوقود الأحفوري.

2. مضاعفة تمويل التكيف المناخي

الدول المتقدمة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، واجهت ضغوطًا من الدول النامية لزيادة التمويل المخصص لمواجهة آثار التغير المناخي.
الاتفاق يدعو إلى مضاعفة تمويل التكيف ثلاث مرات على الأقل بحلول 2035.

3. إدراج بند خاص بالتجارة

رغم رفض الاتحاد الأوروبي، نجحت الصين ودول ناشئة أخرى في تضمين ذكر التجارة داخل النص النهائي، وهو أمر اعتبرته هذه الدول ضروريًا لضمان “عدالة انتقال الطاقة”.

المواقف الدولية المتباينة

الاتحاد الأوروبي: قبول مضطر

قال مفوض المناخ الأوروبي فوبكي هوكسترا:

"كنا نفضل مزيدًا من الطموح… لكن علينا دعم النص لأنه يسير في الاتجاه الصحيح."


الصين: نجاح رغم الصعوبات

وصف رئيس الوفد الصيني لي غاو الاتفاق بأنه "نجاح تحقق في ظروف صعبة للغاية”، معبرًا عن ارتياحه للنتيجة.

فرنسا: النص غير طموح لكنه مقبول

اتهمت وزيرة التحول البيئي الفرنسية السعودية وروسيا والهند برفض إدراج التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بشكل مباشر، مضيفة أن النص “ليس سيئًا بشكل غير عادي”.

اضطرابات داخل المؤتمر وتأثيرها على المفاوضات

شهد المؤتمر احتجاجات قوية من السكان الأصليين الرافضين لسياسات استغلال الأمازون، إضافة إلى حريق داخل المجمع تسبب في توقف بعض الجلسات، مما أعطى للمفاوضات طابعًا دراماتيكيًا زاد من صعوبة التوصل لاتفاق.

الرئيس البرازيلي لولا: "اخترنا الاستمرار وليس الاستسلام"

كان نجاح المؤتمر مسألة سياسية حساسة للرئيس لولا دا سيلفا، الذي وصف الحدث بأنه "مؤتمر الحقيقة".
وأشار في كلمة مقتضبة من جنوب إفريقيا:

"في العام الذي تجاوز فيه الكوكب حاجز 1.5 درجة مئوية، واجهنا خيارًا بين الاستمرار أو الاستسلام، وقد اخترنا الاستمرار."


تأثير غياب الولايات المتحدة عن المشهد

اعتُبر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم المشاركة في المؤتمر ضربة للتعاون الدولي، لكن مسؤولين أوروبيين أكدوا أن السياق الجيوسياسي لا يسمح بتعقيد الأمور أكثر.

دور تركيا وأستراليا في مستقبل المؤتمرات المناخية

أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتوصل إلى اتفاق مع أستراليا لتقاسم المسؤوليات في الإعداد لقمة المناخ (كوب31)، التي ستحتضنها تركيا.

 هل يمثّل الاتفاق بداية طريق جديد؟

رغم محدودية الطموح وغياب عبارة صريحة حول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إلا أن الاتفاق يعكس رغبة دولية في الحفاظ على مسار المفاوضات وعدم العودة إلى نقطة الصفر.

ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل سينجح العالم في ترجمة هذه الإشارات الضمنية إلى التزامات واضحة تُغيّر مستقبل الطاقة؟