شهدت مدينة الصويرة يوم الخميس 27 نونبر حدثًا بارزًا تمثل في تتويج الفائزين في مسابقة الديزينايثون بالصويرة، التي أصبحت موعدًا سنويًا يحتفي بالابتكار في الصناعة التقليدية ويمنح الحرفيين منصة رائدة لإبراز قدراتهم الإبداعية. هذه الدورة الرابعة جاءت لتؤكد أن الصويرة ليست فقط مدينة للرياح والفن والموسيقى، بل أيضًا فضاء خصب لتطوير منتجات حرفية تستلهم التراث وتستجيب لمتطلبات السوق المعاصرة في إطار احترام البيئة والتنمية المستدامة.

مسابقة ترسخ التعاون الحرفي وتُثمن المهارات المحلية

تميزت النسخة الحالية من المسابقة بمشاركة حوالي ستين صانعة وصانع تقليدي من مختلف جماعات إقليم الصويرة، تم توزيعهم على فرق ثلاثية تضم مهارتين حرفيتين على الأقل، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين المهن التقليدية. هذه المقاربة أتاحت للحرفيين فرصة التفكير خارج النمط المعتاد، وتصميم منتجات تجمع بين الوظيفة والجمالية، وتستند إلى مواد طبيعية أو معاد تدويرها، انسجامًا مع أهداف التنمية المستدامة.

وبفضل هذا الانفتاح بين الحرف، تمكّن المشاركون من خلق قطع إبداعية مبتكرة تعكس روح المدينة وتراثها العريق، دون المساس بقيم الاستدامة التي تشكل محور المسابقة.

مواد طبيعية ولمسات من هوية الصويرة

أوضحت خلود كاهيم، رئيسة المركز الدولي للبحث وتنمية القدرات، أنّ مسابقة الديزينايثون بالصويرة ليست مجرد حدث تنافسي، بل هي منصة لتمكين الحرفيين من تجريب أفكار جديدة والانفتاح على توجهات حديثة في التصميم. وقد ركز المشرفون على ضرورة أن تستلهم الإبداعات ملامح الهوية الجمالية للمدينة، سواء عبر استخدام خشب العرعار المعروف بجودته، أو اعتماد زخارف “الدك الصويري”، أو توظيف اللون الأزرق الذي يميز المدينة ويعكس علاقتها العميقة بالبحر.

كما اشترطت لجنة التحكيم أن تعتمد جميع القطع على مواد معاد تدويرها أو مواد طبيعية محلية، ما منح للمسابقة بعدًا بيئيًا قويًا وعمّق لدى المشاركين الوعي بأهمية الصناعة التقليدية الصديقة للبيئة.

شهادات المشاركين: تجربة تثري الإبداع وتفتح آفاقًا جديدة

لم تخفِ بشرى تناني، إحدى المتوجات في هذه النسخة، سعادتها بالمشاركة، مؤكدة أن المسابقة شكلت بالنسبة لها "فرصة للخروج من المألوف"، والتعرف على حرف جديدة، والانفتاح على مقاربات مبتكرة في التصميم. وأبرزت أن العمل ضمن فريق سمح لها بتبادل المهارات وتطوير منتوجات تلائم السوق المحلي وتستجيب لمتطلبات الجودة والاستدامة.

من جانبهم، أشاد مشاركون آخرون بالقيمة المضافة لهذه المبادرة، معتبرين أن المسابقة مكنت الحرفيين من التعبير عن إبداعاتهم في سياق جديد يربط بين التراث والابتكار والوعي البيئي، وهو ما يعكس رؤية حديثة للصناعة التقليدية بالمغرب.

الصناعة التقليدية رافعة للتنمية المستدامة بالصويرة

نُظمت دورة هذا العام تحت شعار "الصناعة التقليدية دعامة أساسية لتحقيق تنمية مستدامة"، وهو شعار لم يكن مجرد عنوان، بل توجه حقيقي لمسار المسابقة. إذ سعى المنظمون إلى إبراز الدور الحيوي للصناعة التقليدية في مواجهة تحديات العصر، خاصة الانتقال الطاقي والتحولات البيئية.

وتؤكد هذه المبادرة أن الصناعة التقليدية ليست فقط إرثًا ثقافيًا، بل قطاعًا اقتصاديًا قادرًا على خلق فرص الشغل، وتعزيز التعاون بين الحرفيين، وفتح آفاق جديدة لتسويق منتجات مبتكرة محليًا ودوليًا، بما يسهم في جعل الصويرة وجهة متميزة للإبداع المغربي.

إبداعات تعكس روح الصويرة وتفتح مسارات احترافية جديدة

عرفت الدورة تقديم قطع فنية تعكس بوضوح العلاقة العميقة بين الحرفيين ومدينتهم. فقد استلهم العديد منهم البحر في تفاصيل التصميم، بينما ركز آخرون على المعمار العريق للمدينة القديمة، ليخلقوا منتجات تجمع بين الأصالة والحداثة، وتلائم أذواق السياح والمهتمين بالصناعة التقليدية حول العالم.

وتسهم هذه المسابقة، عامًا بعد عام، في صقل مهارات الشباب الحرفي، وتمكينهم من أدوات جديدة للابتكار، سواء من خلال الورشات التأطيرية التي تسبق التتويج أو عبر تفاعلهم مع خبراء محليين ودوليين.

تصميمات مبتكرة... من المحلية إلى الأسواق العالمية

بفضل نوعية المنتجات المقدمة، أبان عدد من المشاركين عن قدرة كبيرة على الجمع بين التصميم المعاصر والبصمة الصويرية الأصيلة، ما يجعل العديد من الابتكارات قابلة للتسويق على نطاق أوسع. كما يعكس ذلك إمكانية أن تصبح الصويرة مركزًا لتطوير نماذج تصميمية تعتمد على مواد محلية وتخدم توجهات السياحة الثقافية والإيكولوجية.

ومن المتوقع أن تفتح هذه المسابقة أبوابًا جديدة أمام المشاركين، سواء من حيث الشراكات أو فرص العرض داخل المعارض الوطنية والدولية.

الديزينايثون: تجربة سنوية تثري المشهد الحرفي

بعد أربع دورات ناجحة، أصبحت مسابقة الديزينايثون بالصويرة منصة أساسية لإبراز الإمكانات الهائلة للصناعة التقليدية المحلية، ومجالًا مهمًا للتبادل والتعاون بين الحرفيين. فبفضل هذا الحدث، يعاد الاعتبار لإبداع الصانع التقليدي باعتباره فاعلًا رئيسيًا في التنمية الاقتصادية والثقافية.

كما أن اعتماد المسابقة على معايير الابتكار والاستدامة يجعلها نموذجًا يُحتذى في باقي مناطق المملكة، خصوصًا في ظل الاهتمام المتزايد بإحياء الحرف التقليدية وتطويرها بما يخدم رؤية المغرب في التنمية المستدامة.

تؤكد نتائج مسابقة الديزينايثون بالصويرة هذا العام أن الصناعة التقليدية المغربية قادرة على الابتكار والتجديد، مع الحفاظ على أصالتها وارتباطها بالتراث المحلي. كما تُبرز قدرة الحرفيين على خلق منتجات ذات قيمة مضافة عالية، تعتمد على الاستدامة والمواد الطبيعية، وتفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الاقتصاد المحلي وترسيخ هوية الصويرة كمدينة للإبداع والتصميم.