افتتحت، يوم الخميس 11 دجنبر بالرباط، فعاليات الدورة الثالثة من المنتدى المغربي للصناعات الثقافية والإبداعية، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في محطة جديدة تؤكد الأهمية المتنامية التي بات يحتلها هذا القطاع ضمن الرؤية التنموية الشاملة للمملكة. ويستمر المنتدى إلى غاية 14 دجنبر، جامعًا فاعلين ومهنيين ومؤسسات مغربية ودولية حول قناعة مشتركة مفادها أن الصناعات الثقافية والإبداعية لم تعد مجرد تعبير فني أو نشاط ثقافي، بل أصبحت رافعة اقتصادية حقيقية قادرة على خلق الثروة وفرص الشغل وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والإبداع.
ويهدف المنتدى المغربي للصناعات الثقافية والإبداعية، المنظم بدعم من الاتحاد الأوروبي والمعهد الفرنسي بالمغرب، وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل والفيدرالية المغربية للصناعات الثقافية والإبداعية، إلى تعزيز مكانة هذا القطاع كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني الصاعد، من خلال تسليط الضوء على الإمكانات الكبيرة التي يزخر بها المغرب في مجالات الفنون، والسمعي البصري، والنشر، والموسيقى، والتصميم، والألعاب الرقمية، وغيرها من الصناعات التي تجمع بين القيمة الثقافية والعائد الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، أن المنتدى المغربي للصناعات الثقافية والإبداعية يشكل أكثر من مجرد فضاء للنقاش والتلاقي، بل هو تعبير صريح عن طموح وطني مغربي وقاري إفريقي، يهدف إلى جعل الصناعات الثقافية والإبداعية الإفريقية قاطرة لاقتصاد قاري قادر على فرض نفسه عالميًا انطلاقًا من ثراء ثقافته وتنوع مواهبه. وأبرز الوزير، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه مدير الفنون بالوزارة هشام عبقاري، أن الفنانين والكتاب والمبدعين المغاربة والإفريقيين يساهمون بشكل فعلي في تغذية الصناعات الثقافية العالمية، ما يستدعي توفير بيئة حاضنة تحمي هذه الطاقات وتثمنها داخل بلدانها الأصلية.
وشدد المسؤول الحكومي على ضرورة كبح ما وصفه بـ"الهجرة الإبداعية"، من خلال تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية الإفريقية، وخلق منظومات إنتاج وتوزيع قادرة على تمكين المبدعين من العيش الكريم من أعمالهم داخل أوطانهم. وفي هذا الإطار، أبرز الدور المحوري الذي تضطلع به المنصات الإفريقية الكبرى ذات الصلة بالصناعات الثقافية، مبرزًا أن توفير قنوات توزيع عادلة وموثوقة للفنانين والمبدعين المحليين من شأنه أن يفرض صوتًا ثقافيًا سياديًا ويخلق شروط بروز منظومات إبداعية إفريقية متكاملة.
من جهته، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن الصناعات الثقافية والإبداعية تمتلك مؤهلات كبيرة تجعلها رافعة حقيقية للتشغيل، خاصة في صفوف الشباب، مشيرًا إلى أن المغرب يتوفر على رصيد مهم من المواهب القادرة على تعزيز حضوره الإبداعي قاريا ودوليًا. وسجل الوزير أن التحدي الأساسي يكمن في إبراز هذه الإمكانات بشكل أفضل داخل منظومة الاقتصاد الوطني، وربط الإبداع بسلاسل القيمة والإنتاج.
وأوضح المسؤول الحكومي أن الوزارة تعمل، من خلال برامج تم إطلاقها مؤخرًا، مثل برامج التدرج المهني ودعم التشغيل، على مواكبة المقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا العاملة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، مبرزًا أهمية التكوين المهني في مهننة هذا القطاع وتأهيل موارده البشرية. كما شدد على ضرورة توفير التمويل والمواكبة اللازمة للشباب المبدعين، لتمكينهم من تحويل أفكارهم وإبداعاتهم إلى مشاريع مستدامة تخلق فرص الشغل وتساهم في التنمية الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، أشار الوزير إلى أن إدماج المهن الثقافية والإبداعية ضمن منظومة التعلم والتكوين يشكل خطوة أساسية لضمان استمرارية هذا القطاع، داعيًا إلى مزيد من الدعم للشباب المهتمين بهذه المجالات الواعدة، سواء عبر التكوين، أو المواكبة، أو تسهيل الولوج إلى سوق الشغل والأسواق الدولية.
وعلى المستوى الترابي، اعتبر رئيس جهة الداخلة-وادي الذهب، الخطاط ينجا، أن مبادرات الصناعات الثقافية والإبداعية تعد ضرورية لتنمية أقاليم المملكة وتعزيز جاذبيتها على الصعيد الدولي، مؤكدًا على الدور المتنامي الذي تضطلع به الجهات في دعم هذه الصناعات. وأبرز أن الاهتمام المتزايد من طرف الجهات يشكل قاعدة صلبة لظهور سلاسل إبداعية جديدة قادرة على إنتاج قيمة اقتصادية حقيقية، مع الحفاظ على الأصالة المحلية والهوية الثقافية لكل منطقة.
من جانبها، أكدت المديرة العامة للمعهد الفرنسي بالمغرب، أنييس هوموريزيان، أن الصناعات الإبداعية تشهد تحولات متسارعة على الصعيد العالمي، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي السريع، وبالخصوص التطور المتنامي للذكاء الاصطناعي، إلى جانب بروز مواهب جديدة تتألق على المستويين الإقليمي والدولي. وفي خضم هذه الدينامية، عبرت عن قناعة فرنسا بأن المغرب، بما يتوفر عليه من شباب حيوي ومبدع، والتزام راسخ بدعم المشاريع المبتكرة، مؤهل للاضطلاع بدور ريادي في قلب هذا الزخم الإبداعي العالمي.
أما نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، دانييلي دوتو، فقد سجل أن الصناعات الثقافية والإبداعية تتيح فرص عمل مهمة، خاصة لفائدة الشباب، معتبرًا أن الاستثمار في هذا القطاع يمثل استثمارًا في المستقبل. وأبرز أن بعثة الاتحاد الأوروبي تعمل بشراكة وثيقة مع المغرب ومؤسسة هبة من أجل توفير إطار ملائم يمكن الشباب من النمو والتطور في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، وتعزيز قدراتهم التنافسية على المستويين الوطني والدولي.
بدوره، أكد رئيس مؤسسة هبة ونائب رئيس فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، يونس بومهدي، أن الصناعة الثقافية الإبداعية في المغرب تشهد طفرة حقيقية ونموًا غير مسبوق، مدعومًا بتزايد الوعي بأهميتها الاقتصادية والاجتماعية. وأوضح أن برنامج دورة هذه السنة يركز بشكل خاص على تمويل ريادة الأعمال الإبداعية، وعلى التصدير والحركية والولوج إلى الأسواق، إضافة إلى تعزيز التعاون الإفريقي كخيار استراتيجي للمستقبل.
وتجمع هذه التظاهرة الثقافية الكبرى فاعلين ومهنيين ومؤسسات ومقاولين مغاربة ودوليين، في أفق بلورة رؤية مشتركة تمتد إلى سنة 2030، تهدف إلى تقوية مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في التنمية الوطنية، وتحويل الإبداع إلى محرك فعلي للنمو الاقتصادي. كما يوفر المنتدى المغربي للصناعات الثقافية والإبداعية منصة غنية للتفكير الجماعي وتبادل الخبرات والتشبيك، عبر نقاشات معمقة وموائد مستديرة وفضاءات مخصصة لريادة الأعمال الإبداعية.
ويتميز برنامج المنتدى أيضًا بتنظيم ورشات تطبيقية وفضاءات مهنية، تسلط الضوء على المبادرات المبتكرة، وتفتح آفاقًا جديدة لتطويرها وتوسيع نطاقها، بما يعزز إدماج الصناعات الثقافية والإبداعية في المنظومة الاقتصادية الوطنية والدولية. وبذلك، يؤكد المنتدى مكانته كموعد سنوي استراتيجي، يعكس إرادة المغرب في جعل الثقافة والإبداع في صلب مشروعه التنموي، وترسيخ موقعه كفاعل محوري في اقتصاد الإبداع على الصعيدين الإفريقي والعالمي.
