شهدت مدينة الرباط، يوم الخميس 04 دجنبر، حدثًا اقتصاديًا بارزًا تمثل في توقيع ميثاق تمويل ومواكبة المقاولات الصغيرة جدا بمشاركة ثمانية فاعلين مؤسساتيين وماليين من بينهم وزارة الاقتصاد والمالية وبنك المغرب والاتحاد العام لمقاولات المغرب ومؤسسة “تمويلكم”. ويأتي هذا الميثاق الجديد في سياق وطني يرتكز على رؤية ملكية واضحة تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتحفيز الدينامية الاستثمارية عبر دعم حقيقي للمقاولات الأكثر هشاشة، والتي تشكل أكثر من 90% من النسيج الاقتصادي الوطني.
مبادرة توقيع الميثاق ليست مجرد حدث إداري أو إطار تنظيمي جديد، بل خطوة استراتيجية تعكس رغبة الدولة في إحداث تحول حقيقي في تمويل المواهب والمشاريع الناشئة والصغيرة جدا، من خلال توفير آليات واضحة للتمويل والمواكبة والرقمنة وتحسين الولوج إلى الخدمات المالية.
التوجيهات الملكية أساس انطلاق الميثاق
يستند هذا الميثاق إلى التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الواردة في خطاب عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2025، والذي دعا فيه جلالته إلى إعادة النظر في مقاربات دعم الاستثمار وتعزيز الإدماج الاقتصادي ومحاربة الفوارق المجالية. ويأتي هذا التوقيع ليترجم هذه التوجيهات إلى إجراءات عملية، تستهدف دعم المقاولات الصغيرة جدا باعتبارها محركًا حيويًا للتشغيل المحلي والتنمية الاقتصادية.
بنك المغرب: السيولة والرقمنة مفتاح المرحلة الجديدة
خلال حفل التوقيع، أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن القطاع المالي مدعوّ للاستجابة بفعالية للدعوة الملكية، عبر إجراءات ملموسة تهدف إلى دعم المقاولات الصغيرة جدا والحد من التفاوتات بين الجهات.
وأشار الجواهري إلى تحديات ترتبط بالسيولة النقدية، مبرزًا أن نسبة التداول النقدي تصل إلى 28% من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو معدل مرتفع عالميًا، ما يستوجب تطوير حلول رقمية تستند إلى الذكاء الاصطناعي وتوسيع قنوات الشمول المالي.
كما قدم استراتيجية الشمول المالي التي ترمي إلى ضمان نقطة ولوج واحدة على الأقل للخدمات المالية داخل كل جماعة، بهدف جعل الولوج للتمويل أكثر سلاسة وإنصافًا.
القطاع البنكي: نحو خدمات مؤهلة ورقمية موجهة للمقاولات الصغرى
أما نائب رئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب، محمد الكتاني، فقد أشاد بجهود المؤسسات المالية في دعم هذه الفئة من المقاولات، مؤكدًا أن الميثاق يقدم ترتيبات عملية ستوجّه عمل البنوك خلال الفترة المقبلة.
الكتاني شدّد على ضرورة تحسين جودة العروض البنكية عبر رقمنة المنتجات والخدمات، وتطوير نماذج التنقيط من خلال قاعدة وطنية للبيانات السلوكية، بما يساعد على فهم حقيقي لاحتياجات المقاولات الصغيرة جدا ومنحها التمويل المناسب دون تعقيدات.
الاتحاد العام لمقاولات المغرب: 90% من المنخرطين بحاجة لهذا الميثاق
من جانبه، أوضح يوسف العلوي، رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين، أن 90% من منخرطي الاتحاد يمثلون مقاولات صغيرة أو صغيرة جدا، وهو ما يجعل هذا الميثاق مكملًا ضروريًا للترسانة التمويلية الحالية.
وأشار العلوي إلى أن النظام الجديد للتنقيط الوطني والمواكبة غير المالية وإعداد التقارير سيعزز احترافية هذه المقاولات، ويرفع من تنافسيتها، ويمكنها من الارتقاء نحو مسارات أكثر استدامة في النمو وإحداث فرص العمل.
"تمويلكم": 41 مليار درهم سنة 2024… و89% للمقاولات الصغيرة جدا
المدير العام لمؤسسة “تمويلكم”، سعيد جبراني، أكد خلال التوقيع أن المؤسسة لعبت دورًا محوريًا في تسهيل الولوج إلى التمويل، مشيرًا إلى أنها ساهمت سنة 2024 في تعبئة 41 مليار درهم من التمويلات، ذهب 89% منها إلى المقاولات الصغيرة جدا.
ويسعى الميثاق الجديد إلى تعزيز هذا الدور، من خلال آليات موسعة للضمان والتحفيز المالي، وذلك في انسجام مع ميثاق الاستثمار الجديد الذي أحدث آليات قوية لدعم المبادرات المقاولاتية.
ميثاق استثماري يواكب التحولات الاقتصادية
يأتي هذا الميثاق ليكمل ميثاق الاستثمار الذي أطلقته الدولة لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار الخاص وخلق فرص الشغل، في إطار الجهود المتواصلة لأكثر من عقدين لتسهيل الولوج إلى التمويل وتحقيق الشمول المالي.
وتوحّد الأطراف الموقعة جهودها لخلق بيئة تمويلية أكثر عدالة وشمولًا، بعدما تبين أن 94% من المقاولات المغربية صغيرة جدا ورغم ذلك تواجه صعوبات في التمويل ونقصًا في المواكبة.
رفع القيود التي تعيق تطور المقاولات الصغيرة جدا
الميثاق لا يركز فقط على التمويل، بل يعتمد مقاربة شمولية ترتكز على:
كما سيتم اعتماد نظام تنقيط وطني ابتداء من 2026، ما سيخلق رؤية واضحة للمخاطر والفرص داخل هذا القطاع الواسع.
لجنة خاصة لتتبع الالتزامات
ينص الميثاق على إحداث "لجنة خاصة بالمقاولات الصغيرة جدا" تكون مهمتها تتبع تنفيذ التدابير الجديدة، وتقييم أثرها على القطاع، والعمل على رفع توصيات لإصلاحات مقبلة، لضمان فعالية حقيقية ودائمة لهذا المشروع الوطني.
نحو نمو أكثر شمولًا وتوازنًا عبر المملكة
يمثل هذا الميثاق نقطة تحول في مسار دعم المقاولات الصغيرة جدا، إذ يسعى إلى إزالة القيود التي تعيق تطورها، وخلق بيئة تنافسية تساعدها على الاستمرارية، وتعزيز مساهمتها في التشغيل المحلي، وتحقيق نمو اقتصادي شامل في مختلف جهات المملكة.
وتعكس هذه المبادرة التزام الدولة بكل مكوناتها بمواكبة المقاولات الصغيرة جدا، باعتبارها دعامة أساسية للنسيج الإنتاجي الوطني ومحركًا رئيسيًا للتنمية المحلية.
