تدخل كأس أمم إفريقيا 2025 منعطفًا تاريخيًا في مسار كرة القدم المغربية، حيث يستعد أسود الأطلس لخوض غمار البطولة القارية على أرضهم وبين جماهيرهم، وهم يحملون حلمًا جماعيًا طال انتظاره. جيل ذهبي صُقل بالصرامة والانضباط والخبرة الدولية، يقوده مدرب آمن بالمشروع قبل النتائج، ويستند إلى عمل بنيوي طويل النفس، يجعل من نسخة المغرب فرصة حقيقية لكتابة فصل جديد من المجد الكروي القاري.

كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب: موعد مع التاريخ
من 21 دجنبر الجاري إلى 18 يناير 2026، سيعيش المغرب على إيقاع الكرة الإفريقية، وهو يحتضن النسخة الـ35 من كأس أمم إفريقيا. ليست مجرد بطولة قارية عادية، بل محطة مفصلية لمنتخب مغربي يملك كل مقومات المنافسة على اللقب. الأرض والجمهور والبنية التحتية الحديثة والخبرة التنظيمية، عناصر تمنح الأفضلية النفسية واللوجستية، لكنها في الوقت ذاته ترفع سقف التطلعات وتضاعف حجم المسؤولية.

اللقب الغائب منذ سنة 1976 ظل جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الكروية المغربية، غير أن الظروف الحالية تختلف جذريًا عن السابق. فالمغرب يدخل البطولة وهو أحد أقوى المنتخبات إفريقيًا وعالميًا، بفضل تراكم التجارب والنتائج الإيجابية في المحافل الكبرى.

وليد الركراكي: مدرب المشروع والهوية
تحت قيادة وليد الركراكي، مهندس ملحمة مونديال قطر 2022، أعاد المنتخب المغربي تعريف نفسه كمنتخب منظم، صعب المراس، وفعال في اللحظات الحاسمة. الركراكي، الذي راكم تجربة احترافية كلاعب في فرنسا وإسبانيا، نقل عقلية الفوز والانضباط إلى غرفة الملابس، وبنى هوية كروية قائمة على الواقعية الإيجابية والروح الجماعية.

لم يكن نجاحه وليد الصدفة، بل نتيجة قراءة دقيقة للخصائص البشرية المتاحة، وقدرة على المزج بين الصرامة التكتيكية وحرية الإبداع. حافظ على نواة المنتخب التي تألقت عالميًا، وفتح الباب أمام أسماء شابة أضافت العمق والتنافسية، ما جعل التشكيلة أكثر توازنًا ونضجًا.

حراسة المرمى: ياسين بونو صمام الأمان
في حراسة المرمى، يتقدم ياسين بونو كأحد أبرز نقاط القوة في المنتخب المغربي. حارس الهلال السعودي يتمتع بثبات ذهني وخبرة كبيرة في المباريات الكبرى، ويُعد من بين أفضل الحراس عالميًا خلال السنوات الأخيرة. وجوده يمنح الثقة لخط الدفاع، ويشكل عنصر اطمئنان في المواجهات الصعبة التي تحسم غالبًا بتفاصيل صغيرة.

خط الدفاع: تنظيم حديدي وانضباط تكتيكي
يعتمد أسود الأطلس على خط دفاع يُصنف من بين الأقوى قاريا. ثنائية رومان سايس ونايف أكرد تشكل نموذجًا للتناغم بين القوة البدنية وحسن التمركز والقيادة داخل الملعب. هذا الانسجام يقلص المساحات أمام الخصوم ويجعل اختراق الدفاع المغربي مهمة معقدة.

على الأطراف، يمنح أشرف حكيمي ونصير مزراوي بعدًا هجوميًا مهمًا، بفضل سرعتهما وقدرتهما على التحول السريع من الدفاع إلى الهجوم. هذا التوازن بين الواجب الدفاعي والمساهمة الهجومية ينسجم مع فلسفة الركراكي، التي تقوم على التفوق العددي واستغلال المساحات.

الأرقام تعكس هذا التفوق الدفاعي، إذ استقبل المنتخب هدفين فقط في ثماني مباريات بتصفيات مونديال 2026، ما يؤكد صلابة المنظومة والانضباط الجماعي.

خط الوسط: عقل الفريق ونبضه
في وسط الميدان، يبرز سفيان أمرابط كضابط إيقاع حقيقي، خاصة في الضغط العالي وقطع الكرات وبناء الهجمات من الخلف. دوره المحوري يسمح لبقية لاعبي الوسط بالتحرر وصناعة الفارق.

إلى جانبه، يضيف نايل العناوي وإسماعيل الصيباري لمسة من الحيوية والإبداع، بفضل قدرتهما على الربط بين الخطوط والتقدم بالكرة. كما يشكل عز الدين أوناحي عنصرًا حاسمًا بفضل رؤيته الذكية وقدرته على فك شفرة الدفاعات المحكمة، وهو لاعب أثبت قيمته في المواعيد الكبرى.

هذا التنوع في الخصائص يمنح المنتخب حلولًا تكتيكية متعددة، ويجعل خط الوسط مرنًا وقادرًا على التكيف مع مختلف أنماط اللعب الإفريقية.

الخط الهجومي: تنوع وفعالية وحسم
الهجوم المغربي يتميز بتعدد الخيارات وتكامل الأدوار. يوسف النصيري وحمزة إيغامان يوفران حضورًا قويًا داخل منطقة الجزاء، بفضل الحس التهديفي والقدرة على استغلال أنصاف الفرص. في المقابل، يمنح إبراهيم دياز وعبد الصمد الزلزولي سرعة وخفة وقدرة على خلق التفوق الفردي على الأطراف.

ويعزز أيوب الكعبي، بعد موسم استثنائي مع أولمبياكوس، عمق الخط الأمامي، ويمنح المدرب خيارات إضافية في التشكيل وتغيير نسق اللعب أثناء المباريات. هذا التنوع الهجومي يُصعّب مهمة الدفاعات المنافسة، ويجعل المنتخب المغربي قادرًا على الحسم بطرق مختلفة.

العمل القاعدي: ثمرة رؤية طويلة المدى
ما يعيشه المنتخب المغربي اليوم هو نتيجة مباشرة لسنوات من العمل البنيوي القاعدي، تحت إشراف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وأكاديمية محمد السادس لكرة القدم. الاستثمار في التكوين، وتحسين البنية التحتية، وفتح آفاق الاحتراف أمام المواهب الشابة، كلها عناصر أسست لمنتخب قوي ومستدام.

هذا المسار جعل المغرب نموذجًا إفريقيًا في التخطيط الرياضي، وأنتج أجيالًا قادرة على المنافسة قاريا وعالميًا، وليس فقط تحقيق إنجازات ظرفية.

الجمهور المغربي: اللاعب رقم 12
في كأس أمم إفريقيا 2025، سيكون الجمهور المغربي عنصرًا حاسمًا. المدرجات الممتلئة والدعم اللامشروط قد يشكلان ضغطًا على الخصوم ودافعًا إضافيًا للاعبين. غير أن الرهان الحقيقي يبقى في تحويل هذا الدعم إلى طاقة إيجابية داخل الملعب، دون الوقوع في فخ التسرع أو الضغط النفسي.

حلم اللقب: بين الواقعية والطموح
يدرك هذا الجيل الذهبي أن التاريخ لا يُمنح بل يُنتزع. التتويج بكأس أمم إفريقيا يتطلب التركيز في كل مباراة، واحترام جميع الخصوم، واللعب بنفس الروح من دور المجموعات إلى النهائي. الواقعية التي ميزت المنتخب في السنوات الأخيرة قد تكون مفتاح النجاح، خاصة في بطولة قصيرة تحسمها التفاصيل.

 صفحة جديدة في ذاكرة الكرة المغربية
قد تكون النسخة الـ35 من كأس أمم إفريقيا هي الموعد الذي يطوي فيه أسود الأطلس صفحة طويلة من الانتظار، ويكتبون سطرًا جديدًا في ذاكرة الكرة المغربية والإفريقية. بجيل ذهبي، ومدرب يؤمن بالمشروع، وجمهور يحلم باللقب، تبدو كل الظروف مهيأة لصناعة التاريخ فوق أرض المغرب، في بطولة قد تبقى خالدة في وجدان الأمة الكروية.