تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين تحولات عميقة تجعلها واحدة من أكثر القطاعات التكنولوجية نموًا وتأثيرًا في العالم، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ابتكار تقني أو مجال بحثي نظري، بل أصبح قوة إنتاجية حقيقية تساهم بشكل مباشر في النمو الاقتصادي، ووفقًا لتوقعات رسمية، فإن حجم صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين مرشح لتجاوز 1.2 تريليون يوان خلال سنة 2025، ما يعكس تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الاستثمار والتطوير والاعتماد الواسع لهذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات.
صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين وأرقام تعكس التحول الكبير
أفادت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي مؤسسة بحثية مرجعية تابعة لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، أن صناعة الذكاء الاصطناعي الأساسية في الصين ستسجل نموًا قياسيًا خلال سنة 2025، متجاوزة عتبة 1.2 تريليون يوان، أي ما يعادل حوالي 170 مليار دولار أمريكي، ويعكس هذا الرقم الضخم التحول النوعي الذي تشهده البنية الصناعية الصينية، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في الاستراتيجية الوطنية للتنمية التكنولوجية والاقتصادية.
هذا النمو لا يقتصر على الشركات العملاقة فقط، بل يشمل منظومة متكاملة من الشركات الناشئة، ومراكز البحث، والمؤسسات الصناعية، التي تعمل جميعها على تسريع دمج الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة مثل الصناعة، والصحة، والتعليم، والنقل، والتجارة الإلكترونية.
نقطة تحول محورية في مسار الذكاء الاصطناعي
خلال منتدى صناعي عُقد مؤخرًا في العاصمة بكين، أكدت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن الذكاء الاصطناعي بلغ مرحلة فاصلة في تطوره، حيث انتقل من كونه مجرد تكنولوجيا واعدة إلى قوة إنتاجية ملموسة، تخلق قيمة اقتصادية مباشرة وتغير نماذج الأعمال التقليدية.
هذا التحول يعكس نضج المنظومة التكنولوجية في الصين، خاصة مع توفر بنية تحتية رقمية متقدمة، وبيئة تشريعية داعمة، واستثمارات ضخمة من القطاعين العام والخاص، ما سمح بتسريع الانتقال من البحث والتجريب إلى التطبيق التجاري الواسع.
تطور النماذج الكبيرة للذكاء الاصطناعي
سلطت الأكاديمية الضوء على التحديثات الكبرى التي عرفتها نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة خلال السنة الجارية، حيث شهدت هذه النماذج تحسنًا ملحوظًا في قدراتها على فهم اللغة الطبيعية بنسبة تقارب 30 في المائة، إلى جانب قفزة نوعية في معالجة الوسائط المتعددة، بما في ذلك الصور والفيديوهات والصوتيات، بنسبة وصلت إلى 50 في المائة.
هذا التطور يعزز قدرة الأنظمة الذكية على التفاعل مع المستخدمين بشكل أكثر دقة ومرونة، ويفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات متقدمة في مجالات مثل المساعدات الذكية، والترجمة الآنية، وتحليل البيانات الضخمة، وصناعة المحتوى، والابتكار الصناعي.
الذكاء المجسد والروبوتات في قلب النمو
من بين أبرز الاتجاهات الصاعدة في صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين، يبرز قطاع الذكاء المجسد، وهو المجال الذي يدمج الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات والأنظمة الفيزيائية، ما يسمح للآلات بالتفاعل مع العالم الحقيقي بذكاء واستقلالية أكبر.
وقد شهد هذا القطاع نموًا متسارعًا، حيث تجاوز حجم التمويل الموجه له 40 مليار يوان، مع مشاركة أكثر من 350 شركة عبر مختلف حلقات السلسلة الصناعية، من تطوير البرمجيات والخوارزميات، إلى تصنيع الروبوتات، وتطبيقها في المصانع، والمستودعات، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية.
هذا الزخم يعكس إدراك الصين لأهمية الذكاء المجسد في تعزيز الإنتاجية الصناعية، ومعالجة تحديات مثل نقص اليد العاملة، ورفع كفاءة التشغيل، وتحسين السلامة المهنية.
الذكاء الاصطناعي كمحرك للإنتاجية والابتكار
أصبحت صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين رافعة حقيقية لرفع الإنتاجية، حيث تعتمد عليها الشركات في تحسين عملياتها، وتقليل التكاليف، وتسريع اتخاذ القرار، وتطوير منتجات وخدمات جديدة تستجيب بشكل أفضل لاحتياجات السوق.
في القطاع الصناعي، يساهم الذكاء الاصطناعي في أتمتة خطوط الإنتاج، والصيانة التنبؤية، ومراقبة الجودة، بينما في القطاع الصحي، يساعد في تشخيص الأمراض، وتحليل الصور الطبية، وتطوير الأدوية، أما في مجال الخدمات، فيلعب دورًا محوريًا في تحسين تجربة المستخدم، وإدارة البيانات، والتسويق الذكي.
خارطة طريق الجيل السادس والارتباطية المستقبلية
إلى جانب الذكاء الاصطناعي، عرضت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال المنتدى نفسه خارطة طريق طموحة لتطوير الارتباطية من الجيل التالي، حيث توقعت أن تطلق الصين تطبيقات الجيل السادس التجارية (6G) بحلول عام 2030 تقريبًا، مع إمكانية انتشارها على نطاق واسع بحلول سنة 2035.
ويرتبط تطوير شبكات الجيل السادس بشكل وثيق بتقدم الذكاء الاصطناعي، إذ ستوفر هذه الشبكات سرعات فائقة، وزمن استجابة منخفض جدًا، وقدرات اتصال هائلة، ما سيمكن من تشغيل تطبيقات ذكية أكثر تعقيدًا، مثل المدن الذكية المتكاملة، والواقع الممتد، والمركبات ذاتية القيادة على نطاق واسع.
التكامل بين الذكاء الاصطناعي والبنية الرقمية
يعكس هذا التوجه الصيني رؤية استراتيجية تقوم على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية المتقدمة، حيث يشكل كل منهما داعمًا للآخر، فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى شبكات اتصال قوية لمعالجة البيانات الضخمة في الزمن الحقيقي، في حين تستفيد شبكات الجيل الجديد من الخوارزميات الذكية في تحسين الأداء وإدارة الموارد.
هذا التكامل من شأنه أن يعزز تنافسية الصين في السباق التكنولوجي العالمي، ويمنحها موقعًا رياديًا في صياغة معايير المستقبل الرقمي.
تأثير عالمي وتنافس تكنولوجي متصاعد
لا يقتصر أثر نمو صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين على السوق المحلية فحسب، بل يمتد ليشمل المشهد التكنولوجي العالمي، حيث أصبحت الشركات الصينية لاعبًا رئيسيًا في تطوير الحلول الذكية وتصديرها، ما يعزز حدة التنافس الدولي في هذا المجال.
كما يثير هذا التقدم تساؤلات حول مستقبل الابتكار، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، وأخلاقياته، خاصة في ظل الانتشار الواسع للتقنيات الذكية وتأثيرها على سوق العمل والخصوصية والأمن السيبراني.
آفاق مستقبلية لصناعة الذكاء الاصطناعي في الصين
مع استمرار الدعم الحكومي، وتدفق الاستثمارات، وتسارع الابتكار، تبدو آفاق صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين واعدة للغاية، حيث يُتوقع أن تلعب دورًا محوريًا في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتعزيز التحول الرقمي، ودعم التنمية الصناعية عالية الجودة.
ومن المنتظر أن تشهد السنوات المقبلة مزيدًا من التكامل بين الذكاء الاصطناعي والقطاعات التقليدية، إلى جانب بروز تطبيقات جديدة تغير أنماط الحياة والعمل، وتعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي.
تؤكد التوقعات التي كشفت عنها الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين دخلت مرحلة جديدة من النضج والتأثير، حيث تجاوزت حدود الابتكار النظري لتصبح قوة إنتاجية واستراتيجية، ومع اقتراب حجمها من 1.2 تريليون يوان في 2025، وتقدم النماذج الذكية، ونمو الذكاء المجسد، والاستعداد لعصر الجيل السادس، تواصل الصين ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز القوى العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.