يشكل دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي أحد أبرز رهانات السياسات العمومية بالمغرب، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المناطق القروية والجبلية. وفي هذا السياق، أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن الحكومة أرست آليات جديدة ومتكاملة تهدف إلى تحفيز الاستثمار، وتشجيع المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، وتعزيز فرص الشغل لفائدة الشباب، خصوصا في القطاع الفلاحي والصناعات الغذائية، بما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال العدالة المجالية والتنمية الترابية المستدامة.

دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي كأولوية حكومية

أكد رئيس الحكومة، خلال جلسة مساءلة بمجلس النواب يوم الاثنين 15 دجنبر، أن دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي لم يعد خيارا ظرفيا، بل أصبح توجها استراتيجيا ثابتا في السياسات العمومية. وأوضح أن الحكومة تعمل على معالجة الفوارق المجالية عبر إرساء منظومة دعم شاملة تستهدف الشباب حاملي المشاريع، وتواكبهم من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التنفيذ والاستدامة الاقتصادية. ويأتي هذا التوجه استجابة للحاجة الملحة إلى خلق فرص شغل قارة، وتحسين مستوى العيش بالمناطق القروية والجبلية، والحد من الهجرة نحو المدن.

السياسة العامة للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا

في معرض جوابه عن سؤال محوري حول السياسة العامة المتعلقة بالمقاولات الصغرى والصغيرة جدا، شدد عزيز أخنوش على أن هذه الفئة من المقاولات تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، خاصة في المجال القروي. وأبرز أن الحكومة اعتمدت مقاربة جديدة تقوم على تبسيط الولوج إلى الدعم، وتحسين آليات المواكبة، وربط الاستثمار بالإمكانات الترابية لكل جهة، بما يسمح بتثمين المؤهلات المحلية وتحقيق قيمة مضافة حقيقية.

إحداث المراكز الجهوية للشباب المقاولين في الفلاحة

من بين أبرز الآليات الجديدة التي تم الإعلان عنها في إطار دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي، إحداث “المراكز الجهوية للشباب المقاولين في الفلاحة والصناعات الغذائية” على مستوى جميع جهات المملكة. وتهدف هذه المراكز إلى تأطير الشباب حاملي المشاريع الفلاحية، وتزويدهم بالخبرات التقنية والتدبيرية، إضافة إلى مواكبتهم في إعداد دراسات الجدوى والولوج إلى التمويل. وتشكل هذه المراكز فضاءات حاضنة للمبادرات الريادية، تسعى إلى تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع مدرة للدخل وقابلة للاستمرار.

مواكبة التعاونيات الشبابية وتعزيز الفلاحة التضامنية

أوضح رئيس الحكومة أن الحكومة عملت أيضا على تعزيز المواكبة التقنية والمالية للتعاونيات الشبابية الحاملة للمشاريع الفلاحية والخدمات الفلاحية، وذلك في إطار برامج الفلاحة التضامنية. وقد بلغت الطاقة الاستهدافية لهذه البرامج أزيد من 13 ألفا و800 شاب، استفادوا من أنشطة الدعم والمواكبة، التي همت ما يقارب 5200 مشروع موزعة على عدة برامج، وفق خصوصيات كل مجال ترابي. وتؤكد هذه الأرقام حجم المجهود المبذول لدعم المبادرات الجماعية، باعتبار التعاونيات رافعة أساسية للتنمية المحلية والإدماج الاقتصادي.

تعبئة العقار الفلاحي وتشجيع الاستثمار

في إطار ضمان الاستغلال الأمثل للرصيد العقاري الفلاحي، كشف عزيز أخنوش عن تعبئة ما مجموعه 121 ألف هكتار من الملك الخاص للدولة، موزعة على 1700 مشروع فلاحي، باستثمار إجمالي ناهز 24 مليار درهم. وأسفرت هذه المشاريع عن خلق حوالي 69 ألف منصب شغل، ما يعكس الأثر المباشر لسياسة تعبئة العقار على دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي. وتبرز هذه المعطيات أهمية العقار كرافعة استثمارية قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتحقيق دينامية تشغيلية مستدامة.

العقارات السلالية ودورها في التنمية القروية

أما بخصوص العقارات السلالية، فقد أكد رئيس الحكومة تعبئة ما يقارب مليون هكتار، مع وضع نظام متكامل لحكامة هذه العملية، وإطار للدعم موجه لفائدة حاملي المشاريع الفلاحية. ويهدف هذا التوجه إلى تثمين الأراضي الجماعية، وتحويلها إلى فضاءات منتجة تساهم في خلق الثروة وفرص الشغل، مع احترام الحقوق الجماعية وضمان الاستغلال الرشيد للأراضي.

تقييم المؤهلات الفلاحية للأراضي البورية

في سياق متصل، أبرز رئيس الحكومة أنه تم تقييم المؤهلات الفلاحية لما يعادل 324 ألف هكتار من الأراضي البورية، في إطار رؤية تروم تحسين مردودية هذه الأراضي ودمجها في الدورة الاقتصادية. كما تمت المصادقة على 3053 مشروعا للكراء، وتوقيع اتفاقيات شراكة على مساحة 35 ألف هكتار من الأراضي الجماعية، من طرف اللجن الإقليمية للكراء. وتعد هذه الإجراءات خطوة مهمة نحو تحديث أنماط الاستغلال الفلاحي وتعزيز جاذبية الاستثمار بالمناطق القروية.

دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي ورهان العدالة المجالية

تشكل مختلف هذه الآليات جزءا من رؤية شمولية تهدف إلى تعزيز العدالة المجالية، وتقليص الفوارق بين الوسطين القروي والحضري. وأكد عزيز أخنوش أن التحولات الجديدة التي تعرفها سياسة الدولة في مجال الاستثمار أعادت رسم خريطة التنمية بالمغرب، من خلال تمكين الجهات من لعب دور محوري في قيادة برامج التنشيط الاقتصادي وريادة الأعمال. ويساهم هذا التوجه في رفع جاهزية المجالات الترابية لاحتضان المشاريع، وتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات الشابة.

انعكاسات السياسات الجديدة على التشغيل والارتقاء الاجتماعي

من المنتظر أن يكون لهذه السياسات العمومية انعكاسات إيجابية على مستوى التشغيل والارتقاء الاجتماعي، خاصة في المناطق القروية والجبلية التي ظلت تعاني من ضعف فرص الشغل. فدعم المقاولات الفلاحية، وتشجيع المبادرات الشبابية، وتعبئة العقار، كلها عوامل من شأنها خلق دينامية اقتصادية جديدة، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتحسين ظروف العيش، بما ينسجم مع أهداف النموذج التنموي الجديد.

يؤكد العرض الذي قدمه رئيس الحكومة أن دعم التنمية والتشغيل في العالم القروي أصبح في صلب السياسات العمومية بالمغرب، عبر آليات عملية تستهدف الشباب والمقاولات الصغرى، وتعتمد على تثمين الموارد الترابية والعقار الفلاحي. ومع استمرار تنزيل هذه البرامج، تبرز آفاق واعدة لتحقيق تنمية قروية شاملة، قائمة على الاستثمار المنتج، والتشغيل المستدام، والعدالة المجالية، بما يعزز مكانة العالم القروي كفاعل أساسي في التنمية الوطنية.