تواصل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ترسيخ موقعها كفاعل أساسي في تمكين الشباب اقتصاديا، عبر دعم أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع ناجحة. وفي عمالة مكناس، يظهر هذا الدور بشكل جلي من خلال منصة الشباب مكناس–الزيتونة، التي باتت فضاءً مفتوحًا للأمل والابتكار، وورشة حقيقية لصناعة جيل جديد من المقاولين الشباب.
منصة الشباب مكناس–الزيتونة: فضاء للتمكين الاقتصادي
أصبحت منصة الشباب مكناس–الزيتونة رافعة محورية في مجال دعم ريادة الأعمال، حيث تستقبل يوميًا عشرات الشباب الحاملين لأفكار مشاريع طموحة. المنصة، التي تم تجهيزها لتكون مركزًا متعدد الخدمات، تقدم فضاءات للاستقبال والاستماع والتوجيه والتكوين، وتُشرف عليها الشبكة الإفريقية للتنمية المستدامة باعتبارها جمعية مقدمة للخدمات.
من خلال دورات تكوينية موجهة، تساعد المنصة الشباب على تحويل أفكارهم إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، وترافقهم خطوة بخطوة في إعداد ملفاتهم، دراسة الجدوى، خطط العمل، وتطوير المهارات الذاتية والمقاولاتية.
ريادة الأعمال ضمن البرنامج الثالث للمبادرة: نتائج ملموسة
تندرج هذه الجهود ضمن البرنامج الثالث للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المخصص لـ"تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب"، وهو برنامج استطاع خلال السنوات الأخيرة تحقيق نتائج ملموسة، ترجمتها قصص نجاح عديدة أفرزت مشاريع مبتكرة ساهمت في خلق فرص الشغل على المستوى المحلي.
ووفق معطيات قسم العمل الاجتماعي بعمالة مكناس، تم إنجاز حوالي 609 مشاريع بدعم مالي إجمالي بلغ 66 مليون درهم، ساهمت المبادرة بـ 51.3 مليون درهم منها. كما ساهمت هذه المشاريع في خلق أكثر من 600 منصب شغل في قطاعات متعددة مثل الصناعة التقليدية والخدمات والتجارة والتعليم والصناعة.
قصة محمد مجدوبي: حلم صغير تحول إلى مشروع مهني ناجح
من بين قصص النجاح التي برزت من رحم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تبرز قصة الشاب محمد مجدوبي، الذي استطاع تحويل شغفه بالمجال الصوتي والسمعي–البصري إلى مشروع مهني قائم الذات.
في استوديوه الحديث الذي أنشئ بدعم من المبادرة، يحكي محمد عن رحلته بثقة واعتزاز. يقول إن أحد أصدقائه نصحه بالتوجه إلى منصة الشباب بعد تجربته الناجحة، وهو ما دفعه للتعرف على الخدمات المتاحة هناك. وبعد استقبال وتوجيه مهني، وضع ملف مشروعه لدى المصلحة المختصة، ليُقبل نظرا لطابعه الابتكاري ولخبرته التي راكمها في المجال.
اليوم، أصبح استوديو محمد فضاءً مهنيا مجهزًا بأحدث التقنيات، ويشتغل في مجالات التسجيل الموسيقي، والبودكاست، والدبلجة، والإعلانات، إضافة إلى خدمات الإنتاج السمعي–البصري.
دعم المبادرة: تكوينات، توجيه وخبرة في التسيير
يشير محمد إلى أن أكثر ما استفاد منه هو جانب التكوين وإدارة المقاولة، حيث مكنته الاستفادة من تدريب متخصص من اكتساب خبرة في التسيير، التخطيط المالي، واستدامة المشروع. ويؤكد أن الدعم الذي تلقاه لم يكن ماديًا فقط، بل كان مهنيًا وتواصليًا وعلميًا، وهو ما ساعده على وضع مشروعه على “السكة الصحيحة”.
يضيف:
"لقد استفدت كثيرًا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خصوصًا على مستوى اكتساب خبرة في تسيير مقاولتي بفضل التكوينات والتوجيه."
ويتابع أن الاستوديو مفتوح لاستقبال الفنانين والصحافيين والشعراء بفضل التجهيزات المتطورة المتوفرة، مؤكدًا أن الاجتهاد والمثابرة هما مفتاح نجاحه.
أثر المبادرة على إدماج الشباب: رؤية تنموية متكاملة
أوضحت بشرى وادو، المكلفة بالتواصل بقسم العمل الاجتماعي بعمالة مكناس، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تسعى إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب، خاصة في صفوف الفئات الهشة. وأكدت أن مشاريع الشباب أصبحت اليوم تشكل أحد أعمدة التنمية المحلية، بفضل المواكبة الدقيقة والتمويلات الموجهة إلى المشاريع المبتكرة.
وتعتبر منصة الشباب الزيتونة حلقة أساسية في هذه المقاربة، حيث تسهل الولوج إلى المعلومات والبرامج، وتضمن تفاعلًا مستمرًا بين حاملي المشاريع والمؤطرين، وتوفر بيئة عمل حديثة تسمح بتطوير الأفكار وتحويلها إلى مشاريع ملموسة.
تمكين الشباب: هدف محوري في الاستراتيجية الوطنية
تتجسد رؤية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محورين أساسيين:
-
التمكين الاقتصادي للشباب
-
دعم الرأسمال البشري
ومن خلال البرامج التكوينية، التمويلات الجزئية، الدعم التقني، والمواكبة المستمرة، تعمل المبادرة على بناء جيل قادر على خلق القيمة المضافة والمساهمة في التنمية المحلية.
ريادة الأعمال بالنسبة لهذه الفئة لم تعد حلمًا غير قابل للتحقق، بل أصبحت مسارًا عمليًا مدعومًا بمؤسسات مهيكلة، وبيئة تراهن على الابتكار والتجديد.
مشاريع مستقبلية وآفاق واعدة
مع تزايد عدد المشاريع المحتضنة داخل المنصة، يتوقع أن يشهد الإقليم طفرة اقتصادية واجتماعية خلال السنوات القادمة. فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يدعمها البرنامج الثالث للمبادرة ستسهم في خلق فرص شغل إضافية، وتنويع النسيج الاقتصادي المحلي، وجذب مزيد من الشباب نحو ريادة الأعمال.
كما يرتقب أن تستمر منصة الشباب في لعب أدوار أكبر، سواء عبر تطوير برامج تكوين جديدة، أو تعزيز شراكات مع فاعلين اقتصاديين، أو توفير خدمات رقمية لمواكبة المقاولين الشباب عن بعد.
تقدم تجربة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمكناس نموذجًا ملهمًا للمقاربات التنموية الناجحة التي تراهن على الشباب وتمنحهم الأدوات الضرورية للانخراط في الحياة الاقتصادية. قصة محمد مجدوبي وغيرها من النجاحات تؤكد أن الاستثمار في الرأسمال البشري هو الاستثمار الأكثر تأثيرًا ودوامًا. فبفضل المواكبة والتوجيه والتكوين، أصبح بإمكان العديد من الشباب تحويل طموحاتهم إلى مشاريع مُدِرّة للدخل ومحدثة لفرص الشغل.
