تتصدر مكافحة الأخبار الزائفة اليوم صدارة النقاش العمومي، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الفضاء الإعلامي والرقمي، وما يرافقها من تحديات تمس مصداقية المعلومة وأمن المجتمعات واستقرارها. وفي هذا السياق، تنظم وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع التواصل – لقاءً وطنياً حول موضوع “مكافحة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة”، يوم الأربعاء 17 دجنبر 2025، بالمعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي بالرباط، في خطوة تعكس انخراط المؤسسة الحكومية في مواجهة واحدة من أخطر الظواهر الإعلامية المعاصرة.
سياق اللقاء وأبعاده المؤسساتية
يأتي هذا اللقاء في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها وزارة الشباب والثقافة والتواصل من أجل إيجاد صيغ ناجعة لمواجهة الظواهر السلبية التي باتت تطبع المشهد الإعلامي والرقمي، وعلى رأسها انتشار الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي. فقد أفرزت الطفرة الرقمية وسهولة الولوج إلى منصات التواصل الاجتماعي فضاءً مفتوحاً لتداول المعلومات دون ضوابط مهنية أو أخلاقية في كثير من الأحيان، ما أدى إلى تراجع الثقة في المحتوى الإعلامي وتنامي الشائعات والمغالطات.
وتسعى الوزارة من خلال هذا اللقاء إلى تأطير النقاش العمومي حول هذه الإشكالية، وإبراز مسؤولية مختلف المتدخلين، سواء المؤسسات الرسمية أو الفاعلين الإعلاميين أو المجتمع المدني، في حماية الحق في المعلومة الدقيقة والموثوقة.
الأخبار الزائفة كتهديد متصاعد للمجتمع
لم تعد الأخبار الزائفة مجرد محتوى عابر أو إشاعة ظرفية، بل تحولت إلى أداة قادرة على التأثير في الرأي العام، وتوجيه السلوك الفردي والجماعي، وخلق حالات من الارتباك والهلع، خاصة في فترات الأزمات الصحية أو الاقتصادية أو السياسية. وقد أظهرت تجارب دولية متعددة أن التضليل الإعلامي يمكن أن يقوض الثقة في المؤسسات، ويغذي الانقسام المجتمعي، ويضعف مناعة الديمقراطية.
وفي السياق المغربي، يكتسي هذا الموضوع أهمية خاصة، بالنظر إلى التوسع الكبير في استعمال الوسائط الرقمية، وارتفاع نسبة الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار لدى فئات واسعة من المواطنين، وهو ما يستدعي تعزيز آليات التحقق والوعي النقدي لدى الجمهور.
أهداف اللقاء ومحاوره الرئيسية
يروم اللقاء المنظم من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، في مقدمتها تشخيص ظاهرة الأخبار الزائفة من زوايا متعددة، وتحليل أسباب انتشارها، ورصد انعكاساتها الاجتماعية والإعلامية والقانونية. كما يسعى إلى استشراف سبل التصدي لها عبر مقاربات مندمجة تجمع بين البعد التشريعي والتقني والتربوي.
ومن المنتظر أن يتناول المشاركون محاور أساسية تتعلق بدور الإعلام المهني في محاربة التضليل، ومسؤولية المنصات الرقمية في ضبط المحتوى، وأهمية التربية على الإعلام والمعلومة، إضافة إلى استعراض تجارب وطنية ودولية ناجحة في هذا المجال.
فضاء للحوار بين الفاعلين والخبراء
يشكل هذا اللقاء فضاءً مفتوحاً للحوار وتبادل الرؤى بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين المعنيين، ومهنيي قطاع الإعلام والتواصل، والخبراء في المجال الرقمي، والباحثين الأكاديميين. ويُنتظر أن يساهم هذا التنوع في إثراء النقاش، وتقديم قراءات متقاطعة للإشكالية، تجمع بين التحليل النظري والمعالجة العملية.
كما يمثل اللقاء فرصة لتقاسم التجارب والممارسات الفضلى، والاطلاع على آليات مبتكرة في رصد الأخبار الزائفة والتحقق من المعطيات، سواء عبر أدوات تكنولوجية حديثة أو من خلال مبادرات إعلامية مستقلة.
دور الإعلام المهني في مواجهة التضليل
يحتل الإعلام المهني موقعاً محورياً في معركة مكافحة الأخبار الزائفة، باعتباره المصدر الأساسي للمعلومة الموثوقة. ويبرز اللقاء أهمية تعزيز أخلاقيات المهنة الصحفية، والالتزام بمعايير الدقة والتحقق والتوازن، في ظل منافسة شرسة مع المحتوى السريع وغير المدقق المنتشر على المنصات الرقمية.
كما سيتم التطرق إلى ضرورة دعم الصحافة الجادة، وتمكينها من الوسائل القانونية والتقنية التي تساعدها على القيام بدورها الرقابي والتنويري، باعتبارها خط الدفاع الأول ضد التضليل الإعلامي.
التربية الإعلامية كمدخل استراتيجي
من بين الرهانات الكبرى التي يسلط عليها اللقاء الضوء، مسألة التربية على الإعلام والمعلومة، باعتبارها أداة وقائية طويلة الأمد. فتمكين الأفراد، خاصة فئة الشباب، من مهارات التفكير النقدي والتحقق من المصادر، يعد خطوة أساسية للحد من انتشار الأخبار الزائفة.
وفي هذا الإطار، يؤكد المشاركون على أهمية إدماج التربية الإعلامية في المناهج التعليمية، وتنظيم حملات تحسيسية موجهة للعموم، من أجل بناء مواطن رقمي واعٍ ومسؤول.
التوصيات المنتظرة وآفاق العمل المشترك
سيُختتم اللقاء بصياغة مجموعة من التوصيات العملية التي تلخص أبرز الأولويات والأفكار التي تم تداولها، وتقترح إجراءات فعالة من أجل محاربة أنجع لإشكالية الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي. ومن المرتقب أن تشمل هذه التوصيات تعزيز التنسيق بين المؤسسات، وتطوير الإطار القانوني المنظم للمجال الرقمي، ودعم مبادرات التحقق من الأخبار، وتشجيع البحث العلمي في مجال الإعلام الرقمي.
كما يُنتظر أن تشكل هذه التوصيات أرضية لبلورة سياسات عمومية مندمجة، قادرة على الاستجابة للتحديات الراهنة والمستقبلية التي يفرضها الفضاء الإعلامي المتغير.
يعكس تنظيم هذا اللقاء الوطني حول مكافحة الأخبار الزائفة وعي وزارة الشباب والثقافة والتواصل بخطورة التحديات المرتبطة بالتضليل الإعلامي، وحرصها على اعتماد مقاربة تشاركية ومستدامة في مواجهتها. فمعركة الحقيقة لم تعد مسؤولية طرف واحد، بل هي جهد جماعي يتطلب انخراط الدولة والإعلام والمجتمع المدني والمواطن، من أجل بناء فضاء إعلامي صحي، قائم على المصداقية والشفافية وخدمة الصالح العام.